موقف الدعاة والعلماء من كثرة انتشار الباطل
للشيخ عبد العزيز بن باز
إن
هداية الناس ثمرة لانتشار العلم الشرعي بين الناس . ولكن من الملاحظ أن
الباطل أكثر انتشارا عبر الصحافة ، وكافة وسائل الإعلام ومناهج التدريس .
فما موقف الدعاة والعلماء من هذا؟ .
هذه واقعة منتشرة في الزمان كله
، وحكمة أرادها الله سبحانه كما قال تعالى : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ
وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ويقول سبحانه : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ
مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
لكن هذا يختلف :
ففي بلاد يكثر وفي بلاد يقل ، وفي قبيلة يكثر ، وفي قبيلة يقل ، وأما
بالنسبة إلى الدنيا فأكثر الخلق على غير الهدى . ولكن هذا يتفاوت بالنسبة
إلى بعض الدول ، وبعض البلاد وبعض القرى ، وبعض القبائل ، فالواجب على أهل
العلم أن ينشطوا ، وألا يكون أهل الباطل أنشط منهم . بل يجب أن يكونوا أنشط
من أهل الباطل ، في إظهار الحق والدعوة إليه أينما كانوا في الطريق وفي
السيارة ، وفي الطائرة وفي المركبة الفضائية ، وفي البيت ، وفي أي مكان ،
عليهم أن ينكروا المنكر بالتي هي أحسن ، ويعلموا بالتي هي أحسن ، بالأسلوب
الطيب والرفق واللين ، يقول الله عز وجل : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ) ويقول سبحانه : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ويقول
النبي صلى الله عليه وسلم : (أن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من
شيء إلا شانه)
فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع
والجاهل ، فإن هذا غلط عظيم ، ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء الخير
وقلته وخفاء السنة .
فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق ،
ويدعوا إليه ، وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه ، ويجب أن يكون ذلك عن علم
وبصيرة كما قال الله عز وجل : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ
عَلَى بَصِيرَةٍ) وذلك بعد العناية بأسباب تحصيل العلم ، من دراسة على أهل
العلم وسؤالهم عما أشكل ، وحضور حلقات العلم والإكثار من تلاوة القرآن
الكريم وتدبره ومراجعة الأحاديث الصحيحة ، حتى تستفيد وتنشر العلم كما
أخذته عن أهله بالدليل ، مع الإخلاص والنية الصالحة والتواضع ، ويجب أن
تحرص على نشر العلم بكل نشاط وقوة ، وألا يكون أهل الباطل أنشط في باطلهم ،
وأن تحرص على نفع المسلمين في دينهم ودنياهم .
وهذا واجب العلماء
شيوخا وشبابا أينما كانوا ، بأن ينشروا الحق بالأدلة الشرعية ، ويرغبوا
الناس فيه ، وينفروهم من الباطل ، ويحذروهم منه ، عملا بقول الله عز وجل :
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وقوله سبحانه : (وَالْعَصْرِ
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
هكذا
يكون أهل العلم أينما كانوا يدعون إلى الله ، ويرشدون إلى الخير وينصحون
لله ولعباده بالرفق فيما يأمرون به وفيما ينهون عنه وفيما يدعون إليه . حتى
تنجح دعوتهم ، ويفوز الجميع بالعاقبة الحميدة والسلامة من كيد الأعداء .
والله المستعان .