كانت الفتوحات على الجبهة المشرقية للخلافة الإسلامية متنوعة ومتعددة،
فلم تكن ساحة واحدة شأنها في ذلك شأن الجبهة الغربية، فكانت عدة ميادين؛
لأنها تقع على بلاد عدة أمم، ومعظمها وثنية بعكس الغربية التي يدين غالبية
سكانها بالنصرانية، فنرى في الشمال شعوب القفقاس المختلفة التي أشهرها
اللان، وفي الشمال الشرقي نجد الأتراك في بلاد ما وراء النهر، وكانوا على
الوثنية أيضًا، وفي الشرق نجد طخارستان وسجستان وسكانهما من الوثنين، وفي
الجنوب الشرقي بلاد السند.
غزا المسلمون بلاد اللان عام
41هـ، وفتحوا الرُّخج، وغيرها من بلاد سجستان عام 43هـ، ودخل الحكم بن عمرو
الغفاري منطقة القيقان في طخارستان، وغنم غنائم كثيرة عام 45هـ. كما فتح
المسلمون قوهستان، وفي عام 55هـ قطع عبيد الله بن زياد نهر جيحون، ووصل إلى
تلال بخارى.
وغزا المسلمون عام 44هـ بلاد السند بإمرة المهلب بن أبي صفرة، كما غزوا جبال الغور عام 47هـ، وكان المهلب مع الحكم بن عمرو الغفاري.
وكان
سكان المناطق الشرقية ينكثون بالعهد مرة بعد أخرى ويعود المسلمون لقتالهم
ودخول أراضيهم؛ لذلك نلاحظ أن مناطق تلك الجهات قد فتحت عدة مرات، واستمرت
مدة من الزمن على هذه الحال، حتى دانت نهائيًّا أيام الوليد بن عبد الملك.
استغل
الأعداء حروب المسلمين فيما بينهم فقاموا بحركات على كل جبهات القتال،
وهدد الروم بلاد الشام، واضطر عبد الملك بن مروان إلى أن يدفع لهم إتاوة
سنوية ريثما ينتهي من تدبير أمره، ووصلوا في عام 79هـ إلى أنطاكية، وتمكنوا
في إفريقية من قتل عقبة بن نافع وأبي المهاجر دينار عام 63هـ، ثم قتل زهير
بن قيس البلوي عام 71هـ حتى تراجع المسلمون إلى برقة، وتركوا القيروان
قاعدتهم الأولى وراءهم.
ونقض أهل أرمينيا العهد، وكذا
الترك على الجبهة الشرقية، وهاجموا المسلمين عدة مرات، فلما اجتمع أمر
المسلمين على خليفة واحد، وتوحد أمرهم قاموا برد الضربة، وعاد للجهاد أثره
وحدثت فتوحات على الجبهات الإسلامية كلها.
إن اللافت في
فتوحات الخلافة الأموية أنها استطاعت -في الجبهة المشرقية- أن تصل إلى
أماكن لم يكن المسلمون قبل 50 عامًا يفكرون في الوصول إليها، فقد وصلوا إلى
الصين والهند وبلاد ما وراء النهر، وما ذلك إلا دليل على عظمة الفتوحات
الإسلامية في العصر ال