هو معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم
بن عتبة بن ربيعة، بُويِعَ له بالخلافة بعد موت أبيه، وكان ولي عهده من
بعده في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة أربعٍ وستين، كان شابًا ورعًا
تقيًّا، مكث في الخلافة مدة قصيرة اختلف المؤرخون في تحديدها قيل: إنه مكث
في الملك أربعين يومًا، وقيل: عشرين يوًما، وقيل: شهرين، وقيل: شهرًا ونصف
شهر، وقيل: ثلاثة أشهر وعشرين يومًا، وقيل: أربعة أشهر.
وكان
في مدة خلافته مريضًا لم يخرج إلى الناس، وكان الضحاك بن قيس هو الذي يصلي
بالناس ويصرف الأمور، ومع أنه أصبح الخليفة الثالث في سلسلة خلفاء بني
أمية من الناحية النظرية، إلا أنه لم يباشر عمله كخليفة، حيث كان ضعيفًا عن
النهوض بتَبِعات المنصب، وكان صادقًا مع نفسه ومع الناس، فأعلن ذلك صراحة؛
حيث يروي ابن كثير أنه بعد أن صلَّى على أبيه، وتم دفنه، وأقبل عليه الناس
وبايعوه بالخلافة نادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطب فيهم فكان مما قال:
"أيها
الناس، إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي، كما
تركها الصِّدِّيقُ لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة كما تركها عمر بن
الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركتُ أمرَكم فولُّوا عليكم من
يصلح لكم. ثم نزل ودخل منزله، فلم يخرج حتى مات رحمه الله تعالى". أراد
معاوية بن يزيد أن يقول لهم: إنه لم يجد مثل عمر، ولا مثل أهل الشورى، فترك
لهم أمرهم يولون من يشاءون.
وقد جاء ذلك صريحًا في رواية
أخرى للخطبة عند ابن الأثير قال فيها: "أما بعد، فإني ضعفت عن أمركم
فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة
مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم، ثم
دخل منزله وتغيَّبَ حتى مات".
واعتُبِرَ هذا الموقفُ منه
دليلاً على عدم رضاه عن تحويل الخلافة من الشورى إلى الوراثة؛ فقد رفض أن
يعهد لأحد من أهل بيته حينما قالوا له: اعهد إلى أحد من أهل بيتك، فقال:
"والله ما ذُقْتُ حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها وتتعجلون أنتم حلاوتها،
وأتعجل مرارتها؟!! اللهم إني بريء منها متخلٍّ عنها".
وقد
أعقب ذلك فترة من الفتن والصراع بين الأمويين وابن الزبير، انتهت لصالح
الأمويين الذين استطاعوا تدارك الموقف وبايعوا مروان بن الحكم بالخلافة في
مؤتمر الجابية في ذي القعدة سنة 64هـ.