إن القارئ للتاريخ الإسلامي يلحظ أن الموالي كان لهم دورهم السياسي
والعلمي في الدولة الأموية؛ فقد قاموا بأعمال الفتوحات الواسعة، والقيام
على أمر الدواوين وتعريبها، ثم ظهور العديد من العلماء منهم الذين كان لهم
أكبر الأثر وأعظمه في الخلافة الإسلامية، وقد كانوا مجموعة من الطبقات:
الطبقة
الأولى: موالي العرب.. وهم الذين أُعتِقُوا أو عقدوا حلفًا مع بعض القبائل
العربية ذات النفوذ السياسي -أي تنتمي إلى قاعدة العصبية التي قامت عليها
الدولة الأموية- وهؤلاء كانوا ردءًا للدولة في القيام بكثير من الأعمال،
ويحدثنا الجهشيارى في كتابه (الوزراء والكتاب) أن "سرجون بن منصور" الرومي
كان يكتب لمعاوية على ديوان الخراج، ويكتب لزياد مولاه مرادس، وعلى الخراج
زاذان فروخ، وكان ذلك في أيام معاوية بن يزيد بن معاوية، ويكتب على الديوان
"سرجون بن منصور" النصراني (أي غير المسلم)... ويكتب لعبد الملك على ديوان
الرسائل "أبو الزعيزعة" مولاه، وعلى ديوان الخاتم للوليد بن عبد الملك
شعيب الصابي مولاه، ويكتب له على المستغلات بدمشق يفيع بن ذؤيب مولاه، وكان
من كبار الفاتحين المسلمين "طارق بن زياد" مولى من البربر، وكان عامة جيشه
الذي فتح به الأندلس من الموالي.
ومن الموالي الذين وصلوا
الإمارة: موسى بن نصير، وكان والده من سبي عين التمر، وولّى أبو المهاجر
دينار مولى الأنصار إفريقية 47هـ، وتولى يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج
ولاية إفريقية أيضًا، وكان من الموالي، ولما قُتِلَ ولوا محمد بن يزيد مولى
الأنصار سنة 102هـ وغيرهم، ولم يكن الموالي مجرد موظفين ولكن كان لهم دور
سياسي كبير في توجيه الأمور، ولا تكاد تخلو صفحة من صفحات التاريخ من وجود
دور للموالي في الأعمال السياسية أو القتالية أو الإدارية، وبالتالي فإن
هؤلاء الموالي كانوا جزءًا حقيقيًّا من الطبقة الحاكمة بلا فرق بينهم وبين
مواليهم.
الطبقة الثانية من الموالي: وهم العلماء الذين
انخرطوا في طلب العلم، واستطاعوا أن يحفظوا للأمة الإسلامية تراثها الفقهي،
والأدبي والحديثي وكل فروع العلم؛ ففي المدينة على سبيل المثال كان من
سادة العلماء فيها: "سلمان بن بشار" مولى ميمونة بنت الحارث توفي سنة
103هـ، ونافع مولى ابن عمر، وربيعة الرأي وهو من شيوخ الإمام مالك، وفي
مكة: مجاهد بن جبر، مولى قيس المخزومي توفي سنة 102هـ، وعكرمة مولى ابن
عباس، وعطاء بن أبي رباح، وفي البصرة: الحسن البصري، وأبوه مولى زيد بن
ثابت، وفي الشام مكحول توفي سنة 118هـ، وفي مصر يزيد بن حبيب "بربري"، وهو
شيخ الليث بن سعد، وغيرهم كثير.
الطبقة الثالثة من
الموالي: وهؤلاء هم عامّة الموالي، وهؤلاء تحوّلوا إلى الإسلام بدون أن
يعقدوا مع إحدى القبائل العربية عقد موالاة، فبقي ولاؤهم للأمة كلها.
ولقد
انصهر هؤلاء في تركيبة المجتمع الإسلامي، لا فرق بينهم وبين غيرهم من
العرب، واللافت أنه لم يكن هناك مجال من مجالات العمل موصدًا أمامهم، فقد
رأينا الأمراء وقادة الجيوش والعلماء من الموالي.
وقد كان
في الموالي من ارتفع به إيمانه فوق العصبية، فقد كان الكثير من العرب
وغيرهم ممن فهم الإسلام جيدًا، وآمن بأنه يسوي بين جميع المسلمين، من عرب
وعجم، وأيقن أن الرجل يشرف بدينه وعمله وخلقه، وليس بجنسه وعِرْقِه، فأكرم
الناس عند الله أتقاهم، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فالحسن
البصري -وهو مولى- كانت له منزلة كبيرة عند العرب بصفة خاصة والمسلمين
جميعًا، وكانت له كلمة مسموعة حتى عند الدولة، بل كان ينتقد -علانيةً-
خلفاء بني أمية وولاتهم، ويوم مات تبع الناس كلهم جنازته، حتى لم يبقَ في
المسجد من يصلي العصر.
إن الفكرة الشائعة عن بني أمية،
والتي أذاعها بعض المستشرقين المتربصين مثل: فون كريمر، وفان فلوتن،
وبروان، ورددها كما هي جورجي زيدان وفيليب حتى، ونقلها بعض المؤرخين
المحدثين مثل: حسن إبراهيم حسن، وعلى حسني الخربوطلى، وغيرهم، وهي أن بني
أمية كانوا متعصبين ضد الموالي، وأنهم استغلوهم واضطهدوهم واحتقروهم، وأنه
كان من نتائج ذلك سخط الموالي الذي تولد عنه سقوط الدولة الأموية، هذا ليس
على إطلاقه؛ فقد تبين أن هناك مجموعات من الموالي مع الأمويين، وأنه كانت
أعداد كبيرة من الموالي مثلهم مثل بقية العرب المعارضين للحكم الأموي.
إن
عظمة الحضارة الإسلامية تكمن في التنوع من حيث الأجناس والألوان والثقافات
المختلفة، والحق أن الإبهار يتملك القارئ حينما يرى القسط والعدل
والمساواة متحققة بين أبناء الإسلام، لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى
والعمل الصالح، وهذا ما وجدناه جليًّا في ظل الخلافة الأموية.