[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]----
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]خلافته
الدولة
الأموية في أقصى اتساع لهاهو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي
الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عبد الملك أمير المؤمنين،
آخر خلفاء بني أمية بويع له بالخلافة بعد وفاة يزيد الثالث، ثم قدم دمشق
وخلع إبراهيم بن الوليد واستقر له الأمر في منتصف شهر صفر سنة 127هـ، وعرف
بمروان الجعدي نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم، كان صبورًا يصل السير بالسير
في محاربة الخارجين عليه.
يعتبر مروان بن محمد من فرسان
بني أمية وشجعانهم، ورغم ما تمتع به من إقدام وسداد رأي، إلا أن الظروف
شاءت أن تكون نهاية دولة الخلافة الأموية في عهده، وقد لا يكون هو المسئول
عن ذلك بفعل أن العوامل التي أدت إلى إضعافها وزوالها كانت تتفاعل منذ زمن
بعيد وكان قدره أن يصارع تلك الأحداث الجسام التي كانت تعمل ضده.
وأول
خطر واجهه مروان هو انقسام الأمويين على أنفسهم، والذي كان من أسوأ نتائجه
انقسام كتلتي العرب الرئيستين في الشام وهما اليمنيون والقيسيون، فقد
انقلب اليمنيون ضد مروان، وانحاز القيسيون إليه، وتظهر خطورة هذا الإنقسام
في أنه حدث في مقر الخلافة الأموية وبين أكثر أنصار الأمويين قوة، ولهذا
كان اضطراب الأمر في الشام، إيذانًا باضطراب أمر الدولة كلها، وقد حاول
مروان منذ بيعته في دمشق، أن يهديء خواطر الناس، وأن يبعث الثقة في النفوس،
فلما بايعه الناس عرض عليهم أن يختاروا بأنفسهم من يرضون من الولاة
لولايات الشام الرئيسية، يقول الطبري: "فأمرهم أن يختاروا لولاية أجنادهم،
فاختار أهل دمشق زامل بن عمرو الجيراني، وأهل حمص عبد الله بن شجرة الكندي،
وأهل الأردن الوليد بن معاوية بن مروان، وأهل فلسطين ثابت بن نعيم
الجذامي".
كانت تلك سياسة حكيمة من مروان فهو لم يفرق بين
عرب اليمن وبين قيس، فهؤلاء الولاة فيهم يمنيون وقيسيون، وقد أظهر مروان
بذلك مرونة كبيرة، حتى أنه قبل اختيارهم لثابت بن نعيم الجذامي، مع أنه كان
قد سبق له الغدر بمروان في أرمينية، وتزعم حركة عصيان قام بها جند الشام
هناك ضد مروان، ولكن مروان عفا عنه، وعينه واليًا على فلسطين تسكينًا
للفتنة، وحسمًا للفُرقة والخلاف.
وبعد أن رتب مروان أوضاع
الشام غادر دمشق إلى حران -بالجزيرة- التي اتخذها مقرًّا لحكمه، وتمشيًا مع
خطته في إصلاح الأحوال، وكَبْح جماح الفتنة فإنه حينما جاءه إبراهيم بن
الوليد، الخليفة المخلوع، وسليمان بن هشام اللذان كان قد هربا من دمشق قبل
وصوله إليها وطلبا منه الأمان أَمَّنهما وعفا عنهما وبايعاه.
وهكذا
بدأت الأمور، وكأنها آخذة في الاستقرار، ولكن ذلك الهدوء لم يكن إلا
بمنزلة السكون الذي يسبق العاصفة، فلم تلبث الأنباء أن وافت دار الخليفة
بنشوب الاضطراب في الشام مرة ثانية وبسريان حُمَّى الثورة من جديد.
ثورة أهل حمص على مروان سنة 127هـ
كان
أهل حمص قد بايعوا مروان بن محمد، وساروا معه إلى دمشق، إلا أنهم خرجوا
على حكمه بعد ذلك، والراجح أن خلافات شخصية هي التي فجرت حركتهم، ذلك أن
ثابت بن نعيم الجذامي، أحد القادة المسلمين، كان على خلاف مع مروان منذ أن
كان هذا واليًا عليهم، واعترف به الخليفة تسكينًا للفتنة، ويبدو أن الخلاف
ظل محتدمًا بين الرجلين فسعى ثابت إلى استقطاب اليمنية في حمص، الذين وقفوا
ضد مروان ثم تزعمهم وأعلن خروجه، واستنجد أهل حمص بالكلبيين في تَدْمُر
فأمدوهم بقوة عسكرية.
حاول مروان في بادئ الأمر إصلاح
الأمور بالطرق السلمية إلا أن أهل حمص لم يرتدعوا، عندئذ اضطر الخليفة أن
يخرج بنفسه لوضع حد لحركتهم، وكانت له مع الحمصيين وقائع حاسمة انتصر فيها
عليهم، وهدم أسوار مدينتهم.
ثورة أهل الغوطة سنة 127هـ
بينما
كان مروان مشغولاً بقمع ثورة حمص، نشبت ثورة أخرى في الغوطة؛ فقد ثار
أهله، وولوا عليهم زعيمًا يمنيًا هو يزيد بن خالد القسري، وساروا إلى دمشق
فحاصروها، ولكن مروان أرسل إليهم وهو في حمص قائدين من قواده هما: أبو
الورد بن الكوثر بن زفر بن الحارث، وعمرو بن الوضاح في عشرة آلاف، تمكنا من
القضاء على الثورة وحرق المزة وقرى اليمانية، وقتل يزيد بن خالد، وبعث
زامل بن عمرو -والي دمشق- برأسه إلى مروان بحمص.
ثورة أهل فلسطين سنة 127هـ
عرفنا
أن ثابت بن نعيم الجذامي -والي فلسطين- كان وراء حركات الشام ضد الخليفة
مروان بن محمد، وها هو الآن يعلن الثورة عليه ويخلع طاعته، ولكن مروان
عاجله، وكتب إلى أبي الورد الذي قمع ثورة الغوطة، وفك حصار دمشق، أن يسير
إلى ثابت، فسار إليه فاقتتلوا وبعد قتال عنيف تمكن أبو الورد من أسر ثلاثة
من أولاده وبعث بهم إلى مروان، ثم تمكن الوالي الجديد الذي عينه مروان على
فلسطين وهو الرماحس بن عبد العزيز الكناني من القبض على ثابت بن نعيم، وأن
يرسله إلى مروان الذي أمر بقتله هو وأولاده الثلاثة.
الاضطرابات في العراق
1- حركات الخوارج:
إذا
كانت بلاد الشام قد رفعت راية العصيان ضد حكم مروان بن محمد فطبيعي أن
تقوم في العراق حركات أشد خطرًا، خاصة وأنه الإقليم الأكثر عداوة للحكم
الأموي، منذ أن أصبحت بلاد الشام مركز السلطان، واشتُهِرَ العراق بأنه مركز
الشيعة، وحركات الخوارج وتستعر في نفوس أهله عصبية إقليمية غدت بموجبها
الهوية العراقية، منطلقًا لتطرف لا حدود له ضد كل نزعة شامية..
ووجد
الخوارج في تصدع بني أمية فرصة للانتفاضة ضد الحكم الأموي، وتوجيه ضربة
قاسية إلى مروان بن محمد قد تنهي حكم أسرة طالما مقتوها وأرادوا التخلص
منها، وتميزت حركتهم في هذه الفترة بالشمولية، فبعد أن كانت قلة العدد طابع
جيوشهم، أضحوا الآن يقاتلون بأعداد جماهيرية كبيرة.
فيبدو
أن حركة الخوارج بعد تسعين عامًا من العمل العقائدي الثوري، غدت أكثر
عددًا بما انضم إليها من مختلف الطبقات، إذ لم تعد تقتصر على المؤمنين
الصادقين في إيمانهم الخارجي كما في السابق، بل أضحت حركة سياسية أكثر منها
حركة دينية، وفتحت أبواب صفوفها لكل من يجيء إليها صادقًا أو غير صادق ذا
رأي قد لا يتفق تمامًا مع مبادئه، ولكنه يشاركها العداء لبني أمية.
وتعددت
حركاتهم بعد مقتل الخليفة الوليد الثاني في عام 126هـ وكان مسرحها العراق
وشبه الجزيرة العربية، حيث دخلوا الكوفة، واستولوا عل البصرة وعلى حضرموت
إلا أن مروان بن محمد تصدى لهم وهزمهم في أكثر من معركة في نواحي كفرتوثا
من أعمال ماردين، وفي عين التمر، وفي جيرفت، وفي وادي القرى شمالي الشام،
وتغلب عليهم وأجلاهم عن العراق، واستعاد سيطرته على الحجاز واليمن.
من
أبرز قواد الخوارج في تلك الفترة الضحاك بن قيس الشيباني الذي قام بثورته
في العراق ما بين أعوام 127- 130هـ، وأبو حمزة الخارجي الذي قام بثورته في
الجزيرة العربية ما بين أعوام 128- 130هـ.
2- حركات الشيعة:
تزعم
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، آخر حركة قام بها الشيعة ضد
الدولة الأموية، وانضم إليه شيعة الكوفة وبايعوه بالخلافة، وخرج في شهر
المحرم من عام 127هـ لقتال أهل الشام في الحيرة.
ويبدو أن
الشيعة خذلوه عندما نشب القتال، وفروا من أرض المعركة، ولم يثبت معه سوى
ربيعة والزيدية، فاضطر للتراجع إلى الكوفة، وتبعه الأمويون، وشهدت شوارع
المدينة معارك عنيفة بين الطرفين، وتمكن الجيش من السيطرة على الموقف، ومنح
الوالي الأمويُّ عبدَ الله بن معاوية الأمان والإذن بالانسحاب، فارتحل إلى
فارس حيث أعاد تنظيم صفوف قواته، وقوي أمره بمن انضم إليه من الموالي
والعبيد، والعباسيين الثائرين على الحكم الأموي، والأمويين الناقمين على
مروان بن محمد، وكل طامع في عطية أو وظيفة، وبقايا الخوارج الذين طردهم
مروان بن محمد من الموصل.
ويبدو أن هذا الحشد الذي التف
حوله كان غيرَ متجانس، وواضح أن هدفه تشكيل جبهة مقاومة لا يجمعها إلا
العداء لمروان بن محمد؛ لذلك لم يتم له الاستمرار طويلاً، وسرعان ما انفرط
عقده على إثر الهزيمة القاسية التي مُنِيَ بها أمام قوات مروان بن محمد عند
مرو الشاذان في نهاية عام 129هـ.
وانهارت آمال عبد الله وتطلعاته وفرَّ إلى سجستان، وبلغ هراة آملاً أن يجد نصيرًا في أبي مسلم، لكن هذا الأخير قبض عليه وقتله.
عقد مروان البيعة لولديه
وسط
هذه الثورات المتلاحقة وجد مروان فسحة من الوقت ليأخذ البيعة في "دير
أيوب" لابنيه عبيد الله وعبد الله، وانتهز هذه المناسبة لتكون فرصة
للمصالحة بين أبناء بيته، فزوج ابنيه من ابنتي هشام بن عبد الملك، وجمع
بذلك كما يقول بن الأثير: "بني أمية"، وكان هذا الزواج كما يقول فلهاوزن
"بمنزلة حفلة رسمية للدولة، وكان مروان يعتقد أنه قد استطاع أن يصلح ما
بينه وبين أسرة بني أمية، وأن يضمها إلى جانبه".
ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه؛ فسرعان ما قلب له أمراء بني أمية ظهر المِجَنِّ، وواجهوه بالعصيان والتمرد.
حركات بني أمية
1- حركة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز:
يبدو أن الفوضى التي آلت إليها أوضاع الأسرة الأموية حرّكت المطامع في نفوس أفرادها، وظن كل منهم نفسه صاحب حق في هذا الأمر.
فكان
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز واليًا على العراق ومركزه الكوفة، والراجح
أنه كان ذا نزعات استقلالية، إذ بعد تغلبه على عبد الله بن معاوية، أضحى له
من السلطان والقوة ما بدا له أن باستطاعته الانتفاضة على حكم مروان بن
محمد، فنقض بيعته له، واعتمد في تحركه على القبائل اليمنية من أهل الشام
المقيمين في الكوفة والحيرة، الذين ساءهم خضوع الشام للنفوذ القيسي.
لم
يُعِر مروان بن محمد هذه الانتفاضة التفاتة جدية في بادئ الأمر، فترك عبد
الله وشأنه لاعتقاده بأنه لا يشكل خطرًا كبيرًا على مركزه، ولكن حين بدا له
أن مطامع واليه السابق على العراق قد وصلت إلى حد الخطر بما توافر له من
القوة والمنعة، والنية في التوسع، قام لمواجهته وبعث إليه بجيش من الشام
بقيادة النضر بن سعيد الحرشي، أحد رجالات قيس المشهورين، فاصطدم به، ودارت
بين القوتين معارك هي إلى المناوشات الخفيفة أقرب، لم تؤِّد إلى نتيجة
حاسمة، وظل الفريقان على هذه الحال حتى ظهرت مشكلة أكثر خطورة، تمثلت في
الخوارج الذين برزوا مجددًا على مسرح الأحداث في العراق، وانهمك مروان بن
محمد في التصدي لهم، وترك أمر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.
2- حركة سليمان بن هشام بن عبد الملك 127هـ:
توقع
مروان أن مصاهرته لأبناء هشام بن عبد الملك كافية لِرَأْبِ الصدع بين
أبناء البيت الأموي كله، وأن الأمر في الشام قد استقام له، ولهذا أخذ في
إعدادِ جيشٍ قوامُه عشرون ألفًا تحت قيادة يزيد بن عمر بن هبيرة لمواجهة
ثورة الخوارج في العراق الذين خرجوا عليه بزعامة الضحاك بن قيس الشيباني
منتهزين فرصة انشغاله بثورات الشام، كما ضرب على أهل الشام بعثًا للحاق
بيزيد ومعاونته في حرب الخوارج، وكان سليمان بن هشام -شقيق زوجتي ولدي
مروان- قد استأذنه في الإقامة بالرصافة أيامًا للراحة فأذن له، وبينما يقوم
مروان بالإشراف بنفسه على تجهيز جيش ابن هبيرة في قرقيسياء فاجأته ثورة
عارمة قادها صهره سليمان، حيث انفلت عشرة آلاف من أهل الشام الذين استنفرهم
مروان لقتال الخوارج، وذهبوا إلى سليمان بالرصافة، ودعوه إلى خلع مروان،
فأجابهم إلى ذلك دون أن يعبأ ببيعته وعهوده التي قطعها على نفسه للخليفة،
ولا مراعاة لصلة الرحم والمصاهرة الجديدة، بل ودون أن يضع في تقديره الظروف
التي تمر بها الدولة الأموية كلها.
استفحلت ثورة سليمان فقد اجتمع حوله سبعون ألفًا عسكر بهم في قرية تسمى خساف من أعمال قنسرين.
فاجأت
هذه الأخبار مروان على غير توقع، فقرر أن يسير إلى سليمان بنفسه؛ فقصده في
خساف حيث دارت بينهما معركة كبيرة هُزِمَ فيها سليمان، وقُتِلَ حوالي
ثلاثين ألفًا من أتباعه، وهرب هو بمن بقي من جيشه إلى حمص ثم إلى تدمر
ومنها إلى الكوفة حيث انضم إلى حركة الضحاك الخارجي.
ولا
شك أن عصيان سليمان بن هشام، وانضمام فئات من أهل الشام إليه وقيام
اضطرابات في بعض مدن الشام، كلها مؤشرات واضحة على الحالة المتردية التي
آلت إليها وحدة الأسرة الأموية، وإلى خطورة هذا الصراع الذي استمر بين
أفرادها بشكل لا يبرره سوى المطامع الشخ